1
بدا وكأنه مضطرباً وقلقاً ، أمسك الصحيفة بكلتا يديه ثم نفضهما نفضاً وكأن ماساً كهربائياً صعقهما ، أما أنا بدوري فقد فزعت من مكاني في الطائرة ، التفت اليه فرأيته شاباً تقريباً في منتصف العشرينيات ، وكنت قبلها قد لاحظت انشغاله في أمراً لم أتبين حقيقته ، بعد لحظات أخرج تنهيدة عميقة وكأنه أنتزعها من صدره انتزاعاً ..
مرت دقائق قبل أن يسر لي بصوت منخض قائلاً : هل "المضيفة" تنظر لي أم لأ ؟؟ قلت في استغراب ودونما أقصد : ماذا ؟!! .. فكرر جملته "الصاعقة" !! فقلت من دون أنظر اليها : أجل ، فقال : انها لم تكف عينيها
الجميلتين عني طوال الرحلة !! ، وقبل أن افيق من دهشتي أكمل صاحبي "الرومانسي" !! ، صحيح أن الحب من أول نظرة له وقع ... وكأنه أراد ان يقول : حجر في ماء راكد ثم سكت وكأنه تذكر ان الجملة لا تصف حالته بدقه !! فقال : كوقع صخرة في نهر راكد !!

2
كنت أجهل كيف أن اتعامل معها ، ورغم إني فكرت في هذا الأمر كثيراً إلا إني لم أجد حلاً لذلك ، هذا اليوم هو الأول لتعييني في الشركة التي اتعامل مع سيدات للمرة الأولى ، والحق إن ذلك ليس مربكاً لي وليست المشكلة ، المشكلة الكبرى كانت في كيفية تعاملي مع المرأة التي تشاركني العمل في نفس الغرفة ، وتتقاسم معي الوقت طوال فترة وجودي في مكتبي !!
حاولت أن اكون مرناً فتذكرت إني بذلك قد أبدو "ابله" أو "مندفعاً" و"مغامراً"!! ، فحاولت أن أتعامل معها بغلظة وصرامة ولكني قلت في نفسي : ربما "تنفر" مني أو تعتقد إني "رجعيا" أو "بدوياً جلفاً" !!كان كل ذلك قبل أن تدخل المكتب وتقول لي : صباح الخير ، حينها لا أعلم بالضبط ماذا قالت عني في نفسها أمندفعاً أم بدوياً ، لكني أعتقد أن ذاك اليوم يصلح أن يكون مشهداً كوميدياً رائعاً !!

3
أجهل لما نحن نفرط في تهييج مشاعرنا وتذويب ثقافتنا وإقصاء قدرتنا على التعامل الخالي من سوء النية ، كلما كان الطرف الثاني يمثل بنت حواء !، واجهل أكثر لما نفسر كل نظرة وحركة وكلمة صادرة من الجنس الناعم إنه غزلاً وحباً !، أقول ذلك وذاكرتي تختزل الكثير من المواقف التي تمددت وأخذت منعطفات وتعرجات لا تحتملها بسبب إصرارنا على أنهن يذبن في "دبابينا" !!
ومتى نضيف لثقافتنا إنهن "يحترمن" و"يقدرن" رجولتنا ووجودنا ، وأن الحب فقط في مخيلتنا وليس في أي مكان آخر !! أجزم بذلك تماماً كما إن هذه المشكلة المتغلغلة في نفوسنا نحن الرجال السعوديين موجودة في النساء ايضاً حتى وان بدا ذلك بشكل أقل !!

4
في الطائرة وفي المستشفيات والاسواق العامة أو حتى "الشغالة" في المنزل .. تتكرر نفس المشاهد بشكل أو بآخر ، تبدأ بكلمة عابرة او تصرف غير مقصود وتنتهي بـ بشكل درامي تراجيدي وربما كوميدي وأحياناً "ساخر" !!